رواد الفكر البيئي (5) : جون مالوري .. درس الشعوب البدائية.. - الرباط بريس رواد الفكر البيئي (5) : جون مالوري .. درس الشعوب البدائية.. - الرباط بريس

ادسنس

  • آخر الأخبار

    الاثنين، 29 أغسطس 2016

    رواد الفكر البيئي (5) : جون مالوري .. درس الشعوب البدائية..


    محمد منير الحجوجي

    « Il est urgent de réveiller le nomade que chacun porte en soi. C’est le devoir de l’historien, de l’ethnologue, du philosophe, d’en finir avec le temps des colloques, de sortir de ses musées et de ses bibliothèques pour aider l’homme à se découvrir un autre lui-même dans ses vrais voyages que sous-tend son imaginaire. »..

    يمكن اعتبار جون مالوري Jean Malaurie  وبدون أية مبالغة واحدا من أهم المفكرين الكبار على قيد الحياة.. انه مفكر بوعي قيامي.. اعتبر دوما أن مهمته - ومهمة أي مثقف يحترم نفسه- هي التنبيه الى الكارثة، الى دنو الكارثة.. الى هول ما نحدثه من تخريبات في الارض.. الى استعجال الفعل..
    يعتقد مالوري اننا بحاجة لدرس.. هو درس الشعوب المسماة "بدائية".. شعوب الانويت les inuits  بذلك الشمال الكندي الصقيعي.. فهذه الشعوب تقدم نموذجا قويا للعيش.. نموذج يرسم لنا معالم التعامل مع اثار كارثة ارتفاع درجة الحرارة في الكون..
    يقدم مالوري نفسه باعتباره عالما شامانيا chamaniste ..  لقد خصص الجزء الأكبر لحياته للبانكيز la banquise، ذلك الجزء الأسفل من القطب الشمالي الذي نظم نحوه ما لايقل عن 31 رحلة علمية.. و النتيجة: انه تحول الى واحد من اكبر المدافعين ان لم أقل المدافع الأكبر عن شعب الانويت، الشعب الذي يحقق في نظر مالوري المعادلة الكبرى: تحقيق الحاجيات لكن في وئام عجيب مع الطبيعة- وذلك منذ الأزمنة الغابرة..
    بالنسبة لمالوري نادرا ما يحدث في المنتديات العالمية حول البيئة أن يأخذ الكلمة الأشخاص الطيبون.. الكلمة يأخذها في الغالب المتعالون.. هؤلاء التقنقراط المعجبون بأوهامهم.. ان الكلمة يجب منحها للشعوب البدائية.. الشعوب التي تعيش في القطب الكبير، و لكن أيضا شعوب الغابات البرازيلية و الصحاري الاسترالية و الجزر المالينزية أو أيضا تلك التي تعمر افريقيا الوسطى..
    لأول مرة في تاريخ البشرية، فيما يندد مالوري، تصل تدميراتنا، التدميرات من مختلف الأنواع، نحو الشعوب "البدائية".. فشعوب القطب و بشكل خاص منطقة الكرونلاند بدأت تخضع لتأثيرات التغير المناخي.. و الدليل الذي وقف عنده مالوري في اخر رحلة له للمنطقة ان الانويت أصبحوا مضطرين لارجاء موسم الصيد لان الثلج لم يعد بالسمك التاريخي المعروف.. كما لم يعد بإمكانهم صيد حيوان الكاريبوle caribou  لانه أصبح نادرا جدا في تلك البقعة الشاسعة من شمال كندا.. لقد أصبح الانويت يتفرجون وهم عاجزون تماما امام الكارثة: الذوبان المتسارع للثلج.. لقد تبخرت 30 في المائة من البانكيز في فترة صغيرة جدا لاتتعدى 30 سنة.. و النتيجة: ارتفاع في منسوب البحر، ذوبان، نزوح الساكنة.. منذ اخر رحلة له للمنطقة، لم يتوقف مالوري عن الدعوة الى اطلاق بروطوكول مناخي و بيئي حول الشمال القطبي في أفق تحويله الى محمية في ملك البشرية..
    لقد عاش مالوري لفترة طويلة جدا مع الشعوب القطبية حد التحول الى واحد منهم.. لم يكن مصيره ابدا مفصولا عن مصيرهم.. و الان ها هو يصبح المتحدث الأول باسمهم لدى الأمريكيين و المنظمات العالمية.. واليوم يأمل مالوري أن يتحول الانويت من وضع الضحايا الى وضع النموذج الواجب اتباعه في وجه التغيرات التي تهدد البشرية.. لابد لنا، يقول مالوري، من الاستلهام من هذه الشعوب لنتبين الى أي حد هي ..................تافهة انماطنا في العيش..
    ماذا تقول لنا هذه الشعوب؟ انها تقول لنا أننا نقتل الأرض.. أننا نخرب الأرض بشكل لارجعة فيه.. المسؤول؟ القوى المالية المتحكمة في الشركات العابرة للقارات، القوى العمياء، القوى التي لاتتوفر على رؤية بعيدة.. قوى لا يهمها الا الربح السريع.. و لو بجرف ما لايمكن تعويضه.. لننصت الى مالوري: " ان كل مجتمع مهووس بالمال، بالربح المادي القصير، هو مجتمع محكوم عليه بالاختفاء".. يجب البحث عن طريق أخرى للعيش غير طريق العولمة، أو أيضا القتصدة économisation..
    تعطينا هذه الشعوب القطبية درسا مهما.. انها تقول لنا انه لايقاف الكارثة لا خيار لنا الا العودة الى الاستراتيجيات الطبيعية.. تحقيق التوازن البيئي مع الأرض.. مع كل سكان الأرض..
    درس شعب الانويت أنهم لايأخذون من البحار الا ما يحتاجونه، وفقا لما يعرفونه، دون تحدي العناصر الطبيعية لانهم تعلموا كيف ينصتوا اليها، كيف يحسون بها.. وبتعبير عالم الدماغ مارك طاديي، للانويت معرفة بالكون تتجاوز الامكانات التي تتيحها الأعضاء العادية للإدراك.. فبانصهارهم مع الطبيعة، تعلم الانويت سلطات خارقة.. أكبر بكثير من حواسنا الخمس.. أصالة الفكر الوحشي أنه يعلمك ماقبل العلم la préscience.. وماذا يقول ما قبل العلم هذا؟ أن الطبيعة تشتغل وفق مبدأ التوازن، أن الطبيعة نسق هائل من التوازنات تحركها طاقة عجيبة..
    تشتغل الأرض وفق نظام صارم يتوجب احترامه.. هناك قوة هائلة تحرك الأرض.. قوة هي ما يمنح الحياة لكل ما يتحرك فوق الأرض.. لكل شيء.. ليس فقط الانسان.. و لكن أيضا الحجر و الريح.. وهذه الأشياء يصعب معرفتها أو تحليلها علميا.. هذه أشياء يجب الإحساس بها.. يعود مالوري الى ما يعتبره جذر الشر: الابستمولوجيا الديكارتية.. ان الخطأ الفادح لهذه الابستمولوجيا هي أن عدم الفهم عندها كان دوما مرادفا للعزل.. ما لايمكن فهمه يجب عزله.. وهو ما قامت به الديكارطية طيلة تاريخها..  وهو أيضا ما امنت به الكنيسة التي كانت من أشد من رفض الممارسات البدائية باعتبارها ممارسات همجية سحرية تجب محاربتها.. ( للاشارة فقط الكنيسة الحالية بدأت تتخلى عن أوهامها الاستعلائية و تتحول شيئا فشيئا نحو خطاب بيئي.. ألم يخرج البابا بنص من ضمن ما قال فيه أن "الأرض ليست ملكا لاحد"؟؟؟، الفقرة 146 من الخطاب التاريخي)..

    الخلاصة.. هذا ما ستربحه من العودة الى الخطاب البدائي: ستغذي تصوراتك و ستداويها من أمراض الشوفينية و اللافهم..
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments :

    إرسال تعليق

    إلى الأعلى