بين "القاعدة" و"داعش" - الرباط بريس بين "القاعدة" و"داعش" - الرباط بريس

ادسنس

  • آخر الأخبار

    الخميس، 25 أغسطس 2016

    بين "القاعدة" و"داعش"



    لا خلاف على أن عمل تنظيمات الإرهاب بل الصورة الذهنية للإرهابي ذاته في الوقت الراهن باتت تختلف كثيراً عن نظيره في حقبة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والاختلاف يتمحور بالأساس حول الأهداف وآليات العمل ووسائل التجنيد والاستقطاب، ومن ثم فإن هذا الاختلاف يفرز بالتبعية تغيرات في طبيعة "العنصر" الإرهابي وهويته ومستوى ثقافته، بل والبيئة التي يجلب منها أيضاً.

    هذه الاختلافات تمثل في أحد جوانبها الفوارق القائمة بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، فالثاني هو التطور الجيلي للأول، وهو امتداد لا يلغيه، بل ينشق عنه فكرياً وتنظيمياً، فالأجيال الإرهابية لا ينسخ بعضها بعضاً بحكم تحجرها الفكري والأيديولوجي، ولكن تمضي جنباً إلى جنب وتتنافس في ساحات الإرهاب، وأحياناً تتحالف، ولكنها تمضي في مسارات متوازية لا متقاطعة لفترات زمنية معينة تنتهي إما بانقضاء الأفكار وتقادمها وثبوت فشلها كما حدث مع جماعات الإرهاب في عصور تاريخية سابقة، أو بحلول أمنية تؤدي إلى كمون الفكرة مرحلياً تمهيداً لظهورها مجدداً على يد آخرين كما حدث في بعض التنظيمات التقليدية إبان عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين في مصر، أو بتطور الأفكار وظهور جيل ينطلق من القديم ويبني عليه ويطور الفكرة ذاتها أو ينشق عليها مستغلاً أدوات العصر وتقنياته في الترويج للفكر الإرهابي كما حدث في حالة "داعش".

    ما يزعجني شخصياً، أن بعض المتخصصين ممن يتحملون مسؤولية التصدي للفكر الإرهابي إعلامياً وثقافياً لا يأخذون بالاعتبار المتغيرات الطارئة على الظاهرة الإرهابية، وينطلقون في عملهم من معطيات قديمة، فتجدهم في كثير من الأحيان يخاطبون "جمهور" ليس له وجود، وبالتالي يتحولون إلى مخاطبة الذات وسماعها، ولا صدى لعملهم. تحديد الجمهور وسماته وشرائحه العمرية وثقافته وغير ذلك من معطيات مسألة بالغة الأهمية في العمل الإعلامي بشكل عام، ولكنها لا تأخذ حقها في الجهود الإعلامية والثقافية الخاصة بمواجهة الفكر الإرهابي والتطرف بشكل عام.
    منذ سنوات قلائل مضت، كان البعض يأخذ على جهود التوعية الرسمية أنها تنفذ بأدوات غير فعالة، فأحياناً يختار رجل مسن لمخاطبة جيل وسائل الاتصالات الذكية، فيصبح المشهد في مجمله نوع من العبثية وهدر الطاقات والجهود والوقت والأموال، وأحياناً تمضي جهود التوعية عبر قنوات مغلقة او في أحسن الأحوال غير فعالة فلا تجد جمهورها المستهدف، بل تُسمع في أغلب الأحوال أناس من أصحاب القضية والمدافعين عنها، ويصبح المشهد أيضاً نوع من الأداء التقليدي الساذج.

    أحد مظاهر القوة الرافعة لتنظيم "داعش" الإرهابي يتمثل في الإعلام والدعاية، فالتنظيم يختلف عن الأجيال السابقة من التنظيمات المماثلة على مستوى الأهداف في تبني فكرة "الخلافة"، وعلى مستوى التجنيد والاستقطاب في العمل من خلال العالم الافتراضي، واستخدام وسائل الاتصالات والدعاية والإعلام الحديثة بمهارة وتقنية وحرفية بالغة، ساعده في ذلك مقدرته على جذب عناصر من الإرهابيين الجدد الذين تلقوا تعليماً جيداً ومنهم من عاش في الغرب ويتقن العديد من اللغات، فكان من اللافت أن تجد إصدارات إعلامية الكرتونية صممت بتقنيات مبهرة وتحرر بلغات عدة تضمن لها أوسع قاعدة من الانتشار في مناطق ودول شتى من العالم.

    وفي ضوء ما سبق، استغرب كثيراً من الإصرار على الانطلاق في مكافحة الإرهاب من الصورة النمطية القديمة للإرهابي، بل اختزاله في مظهر تقليدي محدد، يذكرنا بالأفلام العربية القديمة التي كانت تظهر اللصوص و"المخبرين" وغيرهم دائما في ملابس محددة لا تتغير، فرسخت في أذهان المتلقين صور نمطية ساذجة. الإرهابي وفقاً لما يتحدث عنه بعض المهتمين في الدول العربية والإسلامية وتروج له وسائل الإعلام والمحتوى الدرامي المتداول هو شخص يرتدي جلباباً أبيض قصير وله لحية كثيفة طويلة، متجهم الوجه حاد النظرات!! خطورة ترسيخ هذه الصورة النمطية أنها تخدم أهداف داعش تماماً وتصب في مصلحتها، فلا يكاد التنظيم يبذل أي جهد من أجل نشر عناصره الإرهابية وتنفيذ جرائمه في الأشهر الأخيرة.

    أحد البراهين على ما أقول، أن معظم الاعتداءات الإرهابية الأخيرة في دول عربية وإسلامية وغربية عدة قد نفذها إرهابيون بمظهر لا علاقة له بالصورة التقليدية سالفة الذكر، بل إن شهود العيان قالوا عن أحدهم أنهم كانوا لا يعرفون أنه مسلم من الأساس نظراً لعلاقاته النسائية ومغامراته الليلية وارتياده البارات والأندية الليلية!

    قد يقول قائل أن أمثال هذا الإرهابي يمارسون نوعا من "التضليل"، أو أنهم يطبقون تكتيكات تحرف الأنظار عن أفكارهم ونواياهم الحقيقية، وقد يكون ذلك جزء من الحقيقة وليس كلها، فالإرهاب بات مظلة وليس محصور في أصحاب الفكر الضال والمتعاطفين معه، بمعنى أن تنظيمات الإرهاب لم تعد معنية أو مهتمة بتجنيد أناس يتبنون أفكارها وملتزمون أيديولوجياً وطائعون فكرياً وخاضعون تماماً لها، بل تحول الأمر إلى نوع من "البزنس"، الذي تستغل فيه الظروف السيكولوجية والاجتماعية لبعض الأفراد وتقوم بإغرائهم بالمال لتحقيق أهداف تتطابق في الواقع مع أهداف الإرهاب مثل الرغبة في الانتقام من المجتمع مثل بعض المهاجرين الذين يعانون إشكاليات الاندماج والصهر الاجتماعي في دول أوروبية.

    ما يهمني أيضاً أن الدوران في فلك ترديد مصطلحات أيديولوجية معينة من دون إدراك حقيقي للفوارق المفاهيمية ومن دون فهم دقيق لجذور الإرهاب ومنابعه الفكرية، يجعل جهود مكافحة الإرهاب تدور في حلقة مفرغة، من دون أي مقدرة على بناء توقعات استباقية أو اكتشاف مبكر للعناصر البشرية المرشحة للخضوع لتأثير الدعاية الداعشية من المتعاطفين مع أفكاره وهي مرحلة تسبق الانخراط الفعلي في صفوف التنظيم، ناهيك عن ملاحقة "صفقات" التنظيم المحتملة لتنفيذ جرائمه الإرهابية.

    والخلاصة أننا لن نستطيع أن نحارب "داعش" بأدوات سبق أن خضنا بها الحرب ضد "القاعدة"، فالمتغيرات تتراكم والمعطيات تتجدد، ويبقي أن يجدد المعنيون أفكارهم وتصوراتهم لوضع الخطط السليمة في مواجهة الإرهاب.


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments :

    إرسال تعليق

    إلى الأعلى