موقعة السيجارة بين الشاعر والروائي - الرباط بريس موقعة السيجارة بين الشاعر والروائي - الرباط بريس

ادسنس

  • آخر الأخبار

    الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

    موقعة السيجارة بين الشاعر والروائي


    يوسف المساتي

    دقت الطبول، وأعلنت الحرب، وتجهز الجند استعدادا للموقعة الكبرى بين الشاعر والروائي، على أرض البوغاز، استعادوا سيرة هرقل الذي فصل المدينة عن القارة العجوز، شحنتهم همته، وراحوا يشحذون الهمم، كل من على منبره.
    انقسم أهل الباحة الزرقاء إلى شيعة الروائي، وأنصار الشاعر، وبعضهم أرجؤوا أمرهم فيما اختلف فيه الفريقان، وبينهم خوارج يرون في كل هذا جلبة وضوضاء وكفرا تراد بها بيضة الأمة وحياضها.
    نسي الكل ما قيل عن التنوير، عن الفكر، عن وضع محتقن يهدد بطوفانات الدم، عن الأسئلة المقلقة في زمن يسير بنا نحو الهاوية، تأجلت كل الأسئلة، إلى أن تنتهي حرب البسوس عفوا حرب السيجارة.
    فلنؤجل السؤال، لنؤجل كل الأسئلة، ولنعد لأصل النقاش، لأصل المشكلة، لمأساة البشرية، ومنبع شرور الكون، تلك السيجارة اللعينة التي أراد دخانها أن يطاول عنان السماء ويتحدى سلطة القانون.
    فلننخرط في هذه المعركة، مثقفين وصحفيين، وأناس عاديين، فلينتصر كل منا لصاحبه، ولما لا فلنقطع الوشائج فيما بيننا انتصارا لمواقفنا أو لأصحابنا، ولتبقى الأسئلة مؤجلة، معلقة أكثر فأكثر، لنستعفف عن الكلام عن التنوير والفكر فتلك ضحالة، لنغيب العقل فتحضيره الآن صفاقة، ولنناقش السيجارة، فتلك أقدس المهمات الآن.
    ليطالب شيعة كل طرف بالثأر، اقطعوا العلاقات الدبلوماسية، اسحبوا السفراء، واجعلوا الجيوش تتأهب على الحدود، فلنعلنها قطيعة بين المشرق والمغرب لأجل سيجارة، ولنعد سيرة بني تغلب وبني بكر، وليطالب العاقلون المسالمون منا بتدخل أممي أو قوات دولية أو على الأقل مؤتمر سلام، ولنؤجل كل الأسئلة، لا شيء يعلو الآن على دخان السيجارة، التي أشعلت الحرب بين بني عدنان وبني زيدان
    فليمت الفكر، ولنوئد الثقافة، ولندفن التنوير، إلى أن نجيب عن سؤال السيجارة ودخانها اللعين، آنذاك نبدأ في التفكير في كيفية بعث السؤال من جديد، أما الآن فلتؤجل كل الأسئلة في انتظار جواب السيجارة.
    ستنتهي موقعة السيجارة بالقطيعة وبالدم –وإن كان افتراضيا-  كتاريخ يلازمنا من زمن، سيرثيها البعض ويذمها الآخرون، وسينصب البعض مزارا لعقبها المتبقي شاهدا على هول المعركة، وسيحتفظ بها المؤرخون في أيامهم والشعراء في دواوينهم، والقصاصون في قصصهم.
    ثم نعود للبحث عن موقعة أخرى، عن حرب أخرى، قد تكون فنجان قهوة، قد تكون قنينة جعة، قد تكون أي شيء وكل شيء، إلا أن تكون السؤال عن التنوير والتفكير.
    ملحوظة لها علاقة بما سبق:
    كان سيتم تجاوز كل هذا العبث، لو تفهم الكل الفرق بين الثقافتين المغربية والمصرية، وتأثر المغربية بالنموذج الفرنكفوني الصارم، على عكس تأثر المصرية بالنموذج الانجلوساكسوني الأكثر تنصلا من التقاليد.
    كان سيتم تجاوز كل هذا اللغط، لو فضل الروائي أن يخفف من حدة نقده لسابقيه، وأن يفهم خصوصية المتأثرين بالنمط الفرنكفوني القانوني الصارم والمتأثر بالشكلانيات، وبالقواعد الأكاديمية، وبالكلام اللبق.
    كان سيتم تجاوز كل هذا اللغط، لو عاد شاعرنا إلى فيديوهات فرج فودة والقمني وغيرهما ليكتشف أن ما يبدو سخرية هو أسلوب مشرقي في النقاش أكثر منه انتقاصا من قدر المتدخلين.
    كان سيتم تجاوز كل هذا اللغط، لو فضل شاعرنا أن يكتب ورقة توجيهية للروائي، عوض أن يقاطع المتدخلة -التي كانت تتحدث-  بطريقة فجة، ويصرخ في القاعة كمعلم يؤنب تلاميذه، خاصة أنه سبق للروائي أن دخن في قاعة أخرى.
    كان من الممكن أن نقفز على هذا اللغط، حول السيجارة ودخانها لو فقط تقبل بعضنا بعضا كما نحن هكذا باختلافنا، وعوضا عن مناقشة السيجارة ودخانها، لكنا تفرغنا للسؤال، ولا شيء غير السؤال: من يا ترى؟ من وضع منفضة السجائر أمام الروائي؟ ولما لا تكون مؤامرة لنسف الفكر وتوقيف عجلة التنوير؟.
    أترككم مع عبث .






    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments :

    إرسال تعليق

    إلى الأعلى