المغرب وموريتانيا بين استمرار التوتر وثبات المصالح

عادت الأزمة لتندلع وإن بشكل صامت مؤخرا بين موريتانيا والمغرب، لتعمق حالة الفتور التي تمر منها العلاقات المغربية الموريتانية منذ أربع سنوات، كان من مظاهرها عدم تعيين سفير في سفارة موريتانيا بالمغرب، وهو ما يحمل إشارة سلبية في الأعراف الدبلوماسية، رغم نفي موريتانيا أن يكون له علاقة بالتوتر السياسي، وتبرره بعدم جدوى وجود سفير في المغرب خلال المرحلة الحالية، كما صرح بذلك وزير الاتصال محمد الأمين ولد الشيخ.

تقارب موريتانيا مع البوليساريو

انتهجت السلطات الموريتانية خطا يقترب من الانحياز للأطروحة الانفصالية، وبدا واضحا مع وصول القيادة الجديدة للسلطة اتجاهها صوب تأسيس علاقات غير مسبوقة مع الكيان الوهمي، كان من مظاهره رسالة التعزية التي بعث بها الرئيس الموريتاني إلى قيادة البوليساريو في وفاة "ولد العزيز"، مطلع شهر يونيو الماضي، حيث خاطب الرئيس الموريتاني زعيم البوليساريو الراحل كرئيس دولة.

وتوالت الإشارات غير الودية من الجارة الجنوبية تجاه المغرب، إذ رفضت تأييد مقترح طرد البوليساريو الذي تقدمت به عدد من الدول الافريقية، بل وسيقوم الرئيس الموريتاني يوم الخميس المنصرم (11 غشت) باستقبال وفد يضم قياديا في جبهة البوليساريو.

من جهته سيمتنع المغرب عن مشاركة رفيعة المستوى في قمة الخيمة العربية الأخيرة بنواكشوط، حيث اكتفى بإرسال وزير خارجيته، وهو ما اعتبر تلميحا لغضب المغرب من موريتانيا، خاصة مع فشل القمة الذريع والذي حاول بعض الموريتانيين تخيل أن للمغرب أذرعا في ذلك.

نظرات ريبة لحملات أمنية

غير أن ذروة الأزمة ستبدأ مع تدشين السلطات المغربية لعمليات أمنية لضبط وتطهير حدوده الجنوبية من نشاطات التهريب والإرهاب.

حيث لم تنظر الجارة الجنوبية بعين الرضا لما قامت به المصالح الأمنية وعناصر من الجمارك المغربية من تنظيم لعمليات تطهيرية بمنطقة "الكركارات" بجنوب المملكة ابتداء من نهاية الأسبوع المنصرم، وذلك للحد من أنشطة التهريب والتبادل التجاري غير المشروع التي تعرفها المنطقة، حسب ما جاء في بلاغ لوزارة الداخلية المغربية.

ومكنت هذه العمليات، حسب بلاغ ولاية وادي الذهب الكويرة، من إخلاء ثلاث نقط تجمع لهياكل السيارات والشاحنات المستعملة، والتي ضمت أزيد من 600 سيارة، مؤكدا أنه تم "تطهير المنطقة من جميع أشكال التجارة غير القانونية وممارسيها".

وكانت مصادر إعلامية، أفادت في وقت سابق، قيام السلطات المغربية، بتطهير منطقة "قندهار"، حيث تمت هذه العملية "بموافقة موريتانية"، وكذا بإذن من الأمم المتحدة، وذلك بالنظر للتهديدات الأمنية لهذه البؤرة الحدودية التي تحولت في السنوات الأخيرة لمنطقة خارج السيطرة يتم الترويج بها لبعض الأعمال الغير الشرعية كتهريب السيارات وتزوير وثائقها.

كما ذكرت تقارير إعلامية وأمنية، أن القوات المغربية قامت بهذه العملية بقوة قوامها 1000 جندي في عربات هامفي مسلحة برشاشات وعربات مصفحة من نوع VAB تحت تغطية من المدفعية والدبابات المرابطة بالجدار الدفاعي، وبالاضافة لهذا فقد أصبح يسجل تواجد شبه دوري للقوات المغربية بالكويرة المغربية.

وإذا كانت موريتانيا لم تصدر أي موقف رسمي لحد الآن تعليقا على التحرك المغربي لتطهير حدوده الجنوبية، رغم أن مصادر إعلامية تحدثت عن رد فعل متشنج وتحركات عسكرية بنقل صواريخ من الحدود السنغالية التي سبق لها ان عرفت مواجهات بين قوات نواكشوط وقوات دكار إلى الشمال بين نواكشوط ونواذيبو، وهو ما اعتبره البعض تهديدا مبطنا للمغرب.

تواتر قائم ..وعلاقات مستمرة

وإذا كان البعض، وبالاخص البوليساريو يراهنون على توتر علاقة الجارة الجنوبية للمملكة مع المغرب، من أجل ضم موريتانيا إلى الحلف الجزائري، فإن مثانة العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، تحول دون وصول التوتر مداه، حيث تصل قيمة المبادلات إلى أكثر من 1.5 ميار درهم سنويا، وإن كان يميل الميزان التجاري صوب المغرب حيث تتجاوز  الصادرات المغربية إلى السوق الموريتانية 1,390 مليار درهم، وهو ما يشكل مانعا من موانع التوتر.

ويعتقد بعض الباحثين أن سبب التوتر بين موريتانيا والمغرب يكمن في عزم المغرب تشييد "ميناء الداخلة"، والذي ينتظر منه أن يشكل بوابة اقتصادية مهمة في غرب افريقيا، الامر الذي ترى فيه موريتانيا –التي أصبحت تقترب من خدمة الاجندات الجزائرية- تهديدا لمصالحها الاقتصادية مباشرة 

جدير بالذكر، أن البلدين كانا قد وقعا اتفاقية لتسهيل تنقل الأشخاص والبضائع وتخفيف الإجراءات الإدارية على مواطني البلدين، إلا أن العقبات السياسية حالت دون أجرأة هذا الاتفاق بشكل كامل، إذ يعود آخر اجتماع للجنة العليا المشتركة بين المغرب وموريتانيا إلى عام 2013.

1:21 م