تقرير: اسبانيا على صفيح ساخن .. أزمة سياسية واقتصاد مهدد بالانهيار - الرباط بريس تقرير: اسبانيا على صفيح ساخن .. أزمة سياسية واقتصاد مهدد بالانهيار - الرباط بريس

ادسنس

  • آخر الأخبار

    الأربعاء، 31 أغسطس 2016

    تقرير: اسبانيا على صفيح ساخن .. أزمة سياسية واقتصاد مهدد بالانهيار


    الرباط بريس

    تعيش اسبانيا على صفيح ساخن بعدما تعذر تشكيل حكومة تقود البلاد التي تتخبط في أزمات عديدة، أهمها حالة الفراغ السياسي التي تعرفها منذ الانتخابات التشريعية التي عقدت في 20 دجنبر الماضي والتي فاز فيها الحزب الشعبي المحافظ بقيادة "ماريانو راخوي"، بأغلبية الأصوات فيها ولكنه لم يحظ بالأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومة محافظة، كما أنه لم ينجح في تشكيل حكومة ائتلافية مع أي من الأحزاب الأخرى، مما استدعى إجراء انتخابات تشريعية مرة ثانية في 26 يونيو الماضي، تكرر فيها السيناريو نفسه حيث تقدم الحزب الشعبي نتائج الانتخابات دون تحقيق الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة. 
    وبعد مضي أكثر من شهرين على الانتخابات التشريعية الثانية، يقف اليوم الأربعاء (31 غشت) راخوي داخل قبة الكورتيس الاسباني في محاولة لكسب الثقة لحكومته، تليه كلمات لكل الأحزاب الممثلة بالمجلس للتعقيب على خطاب التنصيب، وستأخذ ترتيبها حسب تمثيليّتها على أن لا تتجاوز 40 دقيقة كأبعد تقدير لكل حزب.
     ويبدو المشهد للمتتبعين ملبدا بالغيوم في ظل غياب حكومة رسمية واستمرار الخلافات بين الأحزاب وتضاؤل فرص تشكيل حكومة ائتلافية تتولى زمام الأمور خلال الأربع سنوات المقبلة، وهى الحالة التى لم تشهد البلاد مثيلا لها منذ عودة الديموقراطية عام 1977، ما يفتح البلاد على الاتجاه نحو اجراء انتخابات تشريعية ثالثة.

    كلمة راخوي بين العصا والجزرة

    في كلمة مطولة له استمرت زهاء ساعة وعشرين دقيقة، راح راخوي يدافع عن أحقيته بالتنصيب وقيادة الحكومة الإسبانية من جديد مبرزا أسباب ودواعي قبوله تشكيل الحكومة للمرة الثانية بعد فشل محاولته الأولى، معتمدا في تبريراته التي استعرضها في البرلمان الاسباني على ثلاثة أسباب أساسية:
    -          أولها أن تشكيل الحكومة بات مطلباً ملحّاً وعاجلاً داخلياً وخارجياً لتجاوز حالة الجمود السياسي الذي تعيشه اسبانيا والذي ألقى بظلاله على شتى المجالات، ويهدد التحسن الملحوظ للاقتصاد الاسباني بعد تداعيات أزمة 2008، قائلا " من الصعب تصور أمر أكثر إضرارا بالديمقراطية الاسبانية من إبلاغ الناس بأن تصويتهم كان بلا جدوى مرتين وأن عليهم إعادة الانتخابات للمرة الثالثة "
    -         ثانيهما: فيتمثّل في كون الشعب الإسباني منح المرتبة الأولى للمرة الثانية على التوالي لـ "الحزب الشعبي"، مضيفا "أنه التنظيم الحزبي الوحيد الذي حقّق أكثر نسبة نمو في عدد الأصوات والمقاعد" معتبرا الامر استفتاء مسبقا على الحكومة.
    -         ثالثا: ركز راخوي في السبب الثالث بشتى الأساليب على انتفاء وجود بديل قابل للتطبيق، والذي بإمكانه تحمّل المسؤولية من بعد تجربته الحكومية، مؤكدا إنه يريد تشكيل حكومة تحظى بتأييد واسع النطاق لتتمكن من ضمان الانتعاش الاقتصادي لاسبانيا التي تحقق معدل نمو بين أعلى المعدلات في منطقة اليورو وتقوم بدور بارز في الاتحاد الأوروبي، بعدما حقق الاقتصاد الاسباني نموا بنسبة 3,2 بالمئة في الفصل الاول العام 2016 وهي احدى اعلى النسب في الاتحاد الاوروبي، لكنه لم يعد حتى الان الى مستوى ما قبل ازمة العام 2008.
    واستغل راخوي هذه النقطة الأخيرة ليطرح مخاوف من أن يؤدي عدم تنصيب حكومة جديدة إلى صعود قوى راديكالية، وصفها بكونها لا تتوفر على أية تجربة، ما سيؤثر على السوق الإسبانية وشركائها الأوروبيين، ملحا في خطابه على ضرورة ترك الحسابات الحزبية الضيقة جانبا والإسراع في تنصيب حكومة مستقرة بمهام على المدى الطويل استجابة لخيار الشعب الإسباني الذي منح الثقة للحزب الشعبي، محذرا بأن الفشل في تشكيل الحكومة سيجعل من اسبانيا أضحوكة أوروبا.
    وبنفس النبرة التخويفية طرح راخوي قضية الوحدة الإسبانية التي تعتبر من أكثر النقاط حساسية في اسبانيا، إذ حذر من مطامع الانفصاليين، وبأن إسبانيا مع البديل الآخر يمكنها أن تعاني من خطر التقسيم، وهو ما اعتبر إشارة لحزب بوديموس أحد أبرز القوى السياسية الصاعدة في اسبانيا.
    ولم يفت راخوي التأكيد على منجزات حكومته المنتهية ولايتها، والتي لا زالت تتحمل المسؤولية عن طريق تصريف الأعمال في انتظار تشكيل حكومة جديدة، معددا انجازاتها ومدافعا عن حصيلتها

    انتقادات لكلمة راخوي من الحلفاء قبل الخصوم

    ويبدو أن راخوي لم يفلح في إقناع حلفائه وخصومه على التصويت له، إذ انهالت عليه سهام النقد بدءا من قياديين في تحالفه المرتقب حيث صرح ميغيل غوتيريث عن حزب "ثيودادانوس" الذي اقنعه راخوي بالتصويت له قائلاً: "كان خطاب راخوي سطحياً، وبدون أي حماس يذكر، وانتخابياً، هل يريد حقا أن يكون رئيسا؟".
    أما خوان "كارلوس خيراوتا" الناطق باسم الفريق البرتقالي بمجلس الشعب، والموقّع على اتفاق التحالف مع ممثل "الحزب الشعبي" فقد وجه مدفعيته صوب كلمة ماريانو قائلا: "من خلال التجربة فإن ماريانو ليس الشخص الذي له مصداقية للحديث  ضد الفساد"، متابعا "لم أستطع أن أفهم كيف أن ماريانو راخوي، الذي يحتاج لستة أصوات، لم يقم  بتوجيه نداء للحزب الاشتراكي أو أي حزب آخر يدعوه للتصويت أو الامتناع، أعتقد أنه تنقصه الثقة في ترشيحه وإعادة اختياره".
    في حين وصف "أيتور استيبان" عن "الحزب الوطني الباسكي" خطاب راخوي بـ "المفاجئ والآسن" مضيفا "لقد نسي الفرامل، وإذا كانت له  بعض الجبهات، فالآن فتح عليه جبهة أخرى"، نفس الانتقادات وجهها "جوان تاردا"، الناطق باسم حزب "إيسكيرا ريبوبليكانا" أي اليسار الجمهوري بكاتالونيا، قائلا: "إن اليمين موجود في السلطة  بسبب الحزب الاشتراكي، الذي لا يجرؤ على الاعتراف بالحق في تقرير المصير"
    أما الحزب الاشتراكي المستهدف الأول بكلمة راخوي فقد وصف أنتونيو إيرناندو، الناطق باسم فريقه النيابي بمجلس الشعب، خطاب التنصيب  لماريانو راخوي، بالخطاب "البيروقراطي"،  واصفا راخوي بأنه "مرشح متعب ومشروعه السياسي استنفد وليس لديه أي طموح للمستقبل"، متابعا "لم يمنحنا أي سبب  لدعم مشروعه، إنه كل شيء ما عدا مرشح لرئاسة الحكومة".
    ومن جهته قال المنسق الفدرالي لليسار الموحد "ألبرتو غارثون"، "يبدو أن راخوي لم يكن متحمساً للحصول على الدعم، ولكن للضغط على الحزب الاشتراكي".
    وأبدى القيادي بحزب بوديموس "إينييغو إيريخون"، أسفه لمستوى خطاب التنصيب ووصفه بـ "المنوم" و"الوضيع" و"الابتزازي".
    من جهة أخرى فقد أشار أغلب المحللين إلى أن كلمة راخوي خلت من أية إشارات للأخطاء التي قامت بها حكومته المنتهية ولايتها، بل راح يدافع عنها وعن نجاحاتها في ميدان التشغيل ونسبة النمو الاقتصادي، متناسيا الاقتطاعات في المجال الاجتماعي والصحي والتعليمي والزيادة في الضرائب خاصة على الفئات الوسطى.
    إضافة إلى تخصيصه دقيقة ونصف فقط من مجمل كلمته حول الفساد المالي، والذي طبع ولايته، وكاد يعصف بها بعد تورط مجموعة من قياديي حزبه.
    ولم يجد راخوي دعما إلا من نواب وقياديي “الحزب الشعبي”، حيث أكدت "صوريا ساينث دي سانتا ماريا"، نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال، أن خطاب زعيم حزبها "كان بنّاء، وبأننا لن نتوافق مع دعاة الاستقلال"، وبالمقابل رفض "رافائيل إيرناندو" المتحدث باسم "الحزب الشعبي" في مجلس النواب، الانتقادات التي وجهت لخطاب التنصيب قائلاً "هذا ليس سيركا، إنه البرلمان، فالواحد لا يأتي هنا للقفز على حبل مشدود، أو للقيام بالخدع، أو أي شيء ترفيهي  بالنسبة لأعين البعض".
    تجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمرشح للتنصيب أن يتناول الكلمة للتعقيب ماشاء من الوقت، كما يستفيد زعماء الأحزاب من الرد شرط ألا يتجاوز 10 دقائق، ثم المرور نحو التصويت  بشكل فردي وعلانية.

                    الاشتراكيون رافضون .. الليبراليون متحالفون .. والحكومة في مهب الريح

    برغم نجاح راخوي في الانتخابات فإنه لم يستطع تأمين أغلبية تضمن له تشكيل الحكومة، إذ يحتاج لستة مقاعد ليصبح مجموع مقاعده 176 مقعدا من أصل 350 مقعدا، ليحقق الأغلبية المطلقة في البرلمان، غير أن الوصول إلى إقناع الاشتراكيين بالتحالف معه يبدو صعبا، حيث ترفض المعارضة الاشتراكية بشدة دعمه، ملقية عليه باللوم في فضائح الفساد والاقتطاعات الكبيرة في الانفاق العام والقطاعات الاجتماعية.
    ورفض "بيدرو سانشيز" زعيم "الحزب الاشتراكي الاسباني" الذي حل في المرتبة الثانية بعد حزب الشعب الذي يمثل تيار يمين الوسط، تماما مساندة راخوي، قائلا إن الاشتراكيين سيصوتون بتأييد سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء ماريانو راخوي.
    وأردف سانشيز موجها حديثه في البرلمان لراخوي اليوم الأربعاء (31 غشت) "سأكون واضحا تماما، الحزب الاشتراكي سيصوت ضد ترشيحكم للحكومة من أجل التناغم وصالح اسبانيا." قبل أن يضيف "إنّها المرة الأولى في تاريخ ديمقراطيتنا التي يعجز فيها مرشح القوة السياسية الأولى في الحصول على مساندة الأغلبية الضرورية لتنصيب حكومته وإدارة البلاد، وهذا العجز يا سيد راخوي يخصكم بوجه أساسي"
    وقد بذل راخوي جهوذا حثيثة لمحاولة الحصول على أغلبية برلمانية تضمن تشكيل حكومته، إذ نجح مؤخرا في التوصل إلى اتفاق مع حزب سيودودانوس الليبرالي -الذي يتزعمه البيرت ريفرا والحاصل على 32 مقعدا في البرلمان- حول برنامج الحكومة المقبلة وذلك بعد أسبوع من المفاوضات، ومقابل وعود بتنفيذ إجراءات إصلاحية، التزم الحزب الليبرالي بمنح الثقة لراخوي وحكومته الأقلية في البرلمان دون المشاركة في الحكومة، كما تمكن راخوي من استقطاب نائبة واحدة عن جزر الكناري
    غير أنه في ظل رفض الحزب الاشتراكي- ثاني قوة سياسية في البلاد- منح الثقة لراخوي كرئيس للحكومة، وتصميم النواب الاشتراكيين على التصويت بـ"لا" في جلستي التصويت ستسير الأمور في اتجاه اعادة الانتخابات، إلا إذا امتنع النواب الاشتراكيون عن التصويت في الجلسة الثانية التي يحتاج فيها فقط إلى الأغلبية البسيطة.
    وستعقد الدورة الثانية يوم الجمعة (2 شتنبر) حيث تكفي لراخوي أغلبية بسيطة للمصادقة عليه كرئيس للحكومة، شريطة امتناع 11 نائبا من المعارضة الاشتراكية عن التصويت، وهو ما يبدو  مستبعدا جدا، إذ يرفض الاشتراكيون رفضا قطعيا استمرار راخوي في الحكم اربعة اعوام اخرى.
    انتخابات جديدة .. واحباط عام
    يطرح المشهد السياسي الاسباني أكثر من تخوف إذ يبدو ضبابيا، مع ترجيح أن يدعو الملك الاسباني "فليبي السادس" لانتخابات تشريعية جديدة، ستجري وسط مناخ عام يطبعه التذمر والاحباط الشديدين، حيث أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها إحدى الصحف الإسبانية الأسبوع الماضي أن 83% من الشعب الإسباني يرون أن الوضع السياسي في البلاد أصبح سيئا، في حين أظهر استطلاع آخر أن 40% من الناخبين الإسبان لن يدلوا بأصواتهم في حالة إجراء انتخابات تشريعية ثالثة. 
    حالة الضبابية هذه يسهم فيها التغيرات التي لحقت المشهد السياسي عقب الانتخابات التشريعية في ديسمبر الماضي، والتي كشفت عن تغيير واضح في موازين القوى السياسية، وضع حد للثنائية الحزبية التي اتسمت بها الحياة السياسية في اسبانيا منذ عقود بين الحزبين الشعبي والاشتراكي، إذ برزت قوى سياسية جديدة في مقدمتها حزبي "بوديموس" اليساري و"سيودودانوس" اليميني، وهو ما فرض على الأحزاب التقليدية فتح قنوات التفاوض معها وإشراكها في إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة المقبلة، وبدا الأمر واضحا من خلال مفاوضات الحزب الشعبي الإسباني مع حزب سيودودانوس الليبرالي الحديث النشأة.
    كل هذه التحولات جعلت المراقبين يتوقعون أن تُحكم إسبانيا مستقبلا من قبل حكومة لا تتمتع بالأغلبية البرلمانية، وهو ما سيعقّد مهام الإدارة المقبلة في المصادقة على بعض القوانين وإجراء إصلاحات هيكلية تحتاج إلى إجماع برلماني واسع، كما سيلقي الامر بظلاله على الاقتصاد الإسباني وبالخصوص على الاستثمارات الخارجية وعلاقات اسبانيا بشركائها الاقتصاديين، ما يهدد محاولات التعافي التي بدأ يعرفها الاقتصاد الاسباني بعد تداعيات أزمة 2008.

    أمام هذا الوضع ترتفع دعوات المحللين والفاعلين للأحزاب السياسية الإسبانية لمراجعة برامجها وتوجهاتها وآليات عملها، وإعادة النظر في الأسس الدستورية التي يقوم عليها النظام السياسي الحالي الموروث عن مرحلة الانتقال الديموقراطي في محاولة للوصول إلى حلول توافقية تقرب وجهات النظر المختلفة.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments :

    إرسال تعليق

    إلى الأعلى