"سعار" إعلامي جزائري حول حُبِّ نُجوم "الراي" الجزائريين للمغرب - الرباط بريس "سعار" إعلامي جزائري حول حُبِّ نُجوم "الراي" الجزائريين للمغرب - الرباط بريس

ادسنس

  • آخر الأخبار

    الجمعة، 19 أغسطس 2016

    "سعار" إعلامي جزائري حول حُبِّ نُجوم "الراي" الجزائريين للمغرب

    (ملك الراي الشاب خالد) 
    عندما كنت صغيرا، كان يروقني أن أستمع "للشاب حسني" وأرحل معه في عوالمه، قبل أن يعيدني "الشاب خالد" لأرقص على أغانيه –خاصة أغنية "ديدي" التي صعد نجمها أوائل التسعينيات- ليسلبني "الشاب نصرو" بأغانيه العاطفية فأتذوق حبا لا يوجد إلا في شرائط الكاسيت .. ثم فجاة .. فجأة .. عرفت أن هؤلاء جزائريون.. وماذا بعد؟ ألسنا إخوة؟ أليست الموسيقى عابرة لكل الحدود، تتفاعل مع كل الثقافات فتتأثر بها وتؤثر فيها، فبالأحرى إن كانت ثقافة واحدة وان اختلفت في بعض التفاصيل، لكن ما يجمعها أكبر مما يفرقها.
    هذا الكلام الذي وعيته وأنا طفل يلعب في أزقة فاس، تلك المدينة التي احتضنت جزائريين كُثَّر استقروا بها أو عبروا منها دون أدنى عقدة نقص، ويكفي للمرء أن يراجع تاريخ المغرب ليقف على ذلك التلاقح والتفاعل المستمر بين البلدين، ثم فجاة .. فجأة أكتشف أن ما وعيته قبل عقدين ونصف لازال بعض أشقائنا –أشدد هنا على كلمة أشقائنا- في الجزائر لم يعوه بعد، بل لربما يشكل لهم أمرا يدعو للخوف والاستنفار والحذر والريبة.
    (الشاب الطالياني)
    إذ يقف المتتبع على "سعار" إعلامي جزائري حول موسيقى الراي واحتضان المغرب لها شعبيا ورسميا وثقافيا وصولا لأعلى سلطة في البلاد، ومع تقديم المغرب لطلب رسمي لليونيسكو لاعتبار موسيقى الراي ثراثا انسانيا لاماديا، ومع حركة "الشاب فوضيل" الصادقة باحترامه لجلالة الملك وافتخاره بحصوله على الجنسية المغربية، حتى تجندت الأصوات وشطحت الأقلام المؤتمرة بأوامر البذل العسكرية في كل اتجاه ضد المغرب، بشكل يدعو للشفقة والسخرية في الآن نفسه.
    آخر هذه الشطحات مقال بعنوان( أغنيـة "الراي" بارود "حرب" مغربية على الجزائر ")، ولعل أكثر ما يستوقف المرء في العنوان هو كلمة "البارود"، والتي أحالتنا مباشرة إلى أغنية "اصحاب البارود" "للشاب خالد"، الذي كال له صاحب المقال كل أنواع السباب والتخوين، فهل هو حضور لا شعوري للشاب خالد في وجدان صاحب المقال، أم تراه يحيل على أصحاب البارود ممن تزين النجوم أكتافهم، والذين يسيرون بلاد "الأخت الشرقية" بالحديد والنار.
    (الشاب بلال)
    وبعيدا عن البارود وصاحبه أو أصحابه، نقف في المقال على مغالطات تدعو للشفقة –نقول الشفقة بحكم مشاعر الجوار فلسنا ممن يسخر من الشطحات الفكرية لجيراننا وإن كنا المستهدفين بها- على صاحبها، فبعدما يتيه في استعراض أسباب نقل أحد مهرجانات الراي من وهران إلى سيدي بلعباس، ويحلق في الشؤون الداخلية للأخوة في الجزائر والتي ننأى بنفسنا عن أن نحشر انوفنا فيها، يأتي صاحبنا بقفزة منطادية ليحط على المغرب ويحمله مسؤولية ما جرى، بشكل يجعل القاريء لا يجد ما يقول إلا أن يضرب كفيه بعضهما البعض، وهو يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله".
    بعد قفزته المنطادية، والتي قام فيها بمحاكمة أخلاقية لفن الراي، ننوء هنا أن ندخل في تفاصيلها، ويكفي أن نحيل صاحب المقال على تاريخ الفنون والآداب بماجنها وعذرييها، وليستمع لأغاني "الشيخة الرميتي"، و"الشيخة الجنية"،والتي لازالت ساحة سيدي عبد الوهاب الشهيرة بوجدة تذكر إستمتاعها بأغانيهما المميزة حيث كانا يجدان مرتعهما وأُنْسَهما مع ساكنة وجدة، وهو ما يؤرخ للانصهار الفني المغربي الجزائري على مر العصور، وغيرهما ممن افتَخَر بهما في بداية مقاله متناقضا مع نفسه، ويكفي أيضا، أن نذكره بأنه لو أعملنا هذا المنطق لعلق أبو نواس –الذي يشكل فخرا للشعر العربي- على أبواب بغداد، وإن الأذواق لا تناقش.
    بعد هذه الشطحة ينتقل صاحبنا ليتساءل عن سبب التبني المغربي لفن الراي، ويجتهد بعبقرية فذة ليكتشف أن هذا التبني مؤامرة فرنسية مغربية !! "لسلخ" الراي من "أصله" وتحويله لأداة للتحكم في الجالية المغاربية بفرنسا (كذا).
    وهنا يبدو كيف سرح الخيال بصاحب المقال بعيدا، في سيناريو غير مترابط ولا منسجم ولا واقعي، دون أن يشرح لنا كيف تتحول الموسيقى إلى أداة لتسيير الناس والتحكم فيهم؟ هذا الأمر يبقى دون جواب ربما لأن صاحب المقال ينطلق من بديهية بالنسبة له تكشف في دواخلها عن بعد تحكمي يسير بمنطق الخضوع المطلق حتى في الموسيقى، دون أن يستحضر أن أساس الفن هو الحرية، أو ربما ينطلق من منطق أتباع أصحاب البذلات العسكرية (أصحاب البارود)، والذين كما يؤجرون أقلامهم ليسبحوا بحمد أولياء نعمهم يعتقدون أن الموسيقى هي أيضا أداة للتغليط والتزييف والكذب والتزويير، وزرع الفتن والشقاق.
    (الفنانة الزهوانية في تاوريرت منتصف غشت الجاري)
    وسيتحول صديقنا من الشطح إلى التغليط، عندما عطف في معرض حديثه على ناس الغيوان، ليقول أن للمناضل الجزائري محمد بودية الفضل في التعريف بتجربة ناس الغيوان، وهنا ينسى صاحب المقال أمرين مهمين، أولهما أنه وإن كانت فرقة ناس الغيوان قد رافقت المرحوم المناضل محمد بودية لفرنسا من أجل تسجيل أغاني ذات بعد فلسطيني أساسا، بحكم موقع محمد بودية داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فإن هذه التجربة لم تدم طويلا إذ سيعود الغيوانيون إلى المغرب سريعا ليبدأوا تألقهم بشكل آخر. أما ثانيهما فإن ما يقوله صاحب المقال شاهد عليه، لا له ، إذ يسقط أطروحته من أساسها، حيث يشكل دليلا على التواصل الفني بين الشعبين –الذي ينظر إليه صاحبنا بمنظار المؤامرة- تَواصُل تؤكده الفرق المسرحية والغنائية التي كانت تغدو وتروح بين البلدين دون أدنى مشكلة أو تحفظ إلا عند من في قلوبهم مرض كصاحب المقال.
    يواصل صاحبنا قفزاته المنطادية وشطحاته اللامنطقية، فمرة يلقي باللائمة على المسؤولين الجزائريين الذين أهملوا هذا النوع من الفن، ومرة أخرى يعود لينكر الأمر ويدعي أنها محاولة مغربية لسلب الجزائر "تراثها" وتقديم ملف الراي لاعتباره كتراث لامادي لاحتكاره، ويدخل صاحبنا في مقارنة أشكال التراث المعتمدة من طرف اليونسكو عند البلدين، وكان بودنا ان نحاوره حول منطق المقارنة لكننا ننأى عن ذلك.
    من يقرأ المقال يحس وكأن البلدين مسكونان بهاجس التسابق نحو الاعتراف بأماكن التراث العالمي، على شاكلة السباق النووي بين الهند وباكستان، وهو ما يكشف عن منطق عسكري متطرف، كامن في ثنايا هذا الخطاب، يرى في الثقافة والفن والتراث أدوات حربية فقط لا غير، تصلح لإشعال الحرائق وتحقيق الانتصارات على الخصوم –الأشقاء- فقط، وهو نقيض وظيفة الفنون والثقافة.

    ولم ينسى صاحب المقال الفنانين الجزائريين الذين احتضنهم المغرب، فتارة يُخونهم، وتارة يصفهم بالمخدوعين، تيه يعكس تيه صاحب المقال ومن ورائه، تجاه هذا التواصل الشعبي والفني والذي يظهر عمق أواصر العلاقات التي تجمع الشعبين الشقيقين –لكن يبدو أن البعض في الجزائر يريدها على شاكلة علاقة يوسف بإخوته، بينما نريدها نحن في المغرب أخوة موسى وهارون- وينسى المقال أن الشاب خالد وفوضيل والطلياني وغيرهم عبروا عن سعادتهم بالجنسية المغربية، وأن كل من يأتي للمغرب يحتضنون العلم المغربي احتضانهم للعلم الجزائري، وأنه مرات عديدة صفق الجمهور ولوح بحرارة لنجوم حملوا العلمين معا، في رسالة تقول أن ما يفرقه العسكر تجمعه الموسيقى، وهو ما يبدو أن أصحاب البارود لم يفهموه بعد.
    كان بودنا أن نستطرد مع صاحبنا في شطحاته، والتي تعكس سعارا غير طبيعي، يؤشر على أن هناك أزمة حقيقية لدى البعض في الجزائر إزاء تدبير الشان الثقافي والفني، تجعلهم غارقين في الحديث عن نظريات المؤامرة وتعليق فشلهم على المغرب، الذي سيظل بلدا فاتحا ذراعيه لكل وافد، بلدا يسير بمنطق الأخوة والجوار والاحتضان، ليئتلف فيه ما افترق في غيره، لكن وكما قال الشاب بلال "راك مـريض نتا تعاندني أنا .. مابغيتش نهضر عليك ما بغيتش نضرك .. نتا لي بديت نتا لي حليت فـمك " فالمرجو من أصحاب نظريات المؤامرة، أن يبحثوا في أسباب اخفاقاتهم عوض توجيه سهامهم المسمومة والمؤتمرة بأوامر "اصحاب البارود" صوب المغرب البلد الذي يحتضن كل من دخل ترابه وأحبه وساهم في توسيع آفاق الحوار والتضامن والتآخي.


    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments :

    إرسال تعليق

    إلى الأعلى