من يصنع التطرف الديني بالمغرب؟ - الرباط بريس من يصنع التطرف الديني بالمغرب؟ - الرباط بريس

ادسنس

  • آخر الأخبار

    السبت، 26 أبريل 2014

    من يصنع التطرف الديني بالمغرب؟




    في بعض الأحيان يضطر الباحث في العلوم الاجتماعية إلى إخفاء هويته الأكاديمية استدرارا للمعلومات المتعلقة بمجتمع معين تم تحديده للدراسة، لذلك فلا ضير في أن يلاحظ الباحث بانتظام عينة الدراسة دون أن يعلم الأشخاص المنتمون إليها ذلك، و قد تجري خلال تلك الملاحظة مقابلات عفوية لا يدرك المعنيون بها الأسباب الحقيقة التي تدفع الباحث إليها، بل إن ظروفها قد تكون متروكة في بعض الأحيان للصدفة، و السبب في ذلك إن الناس يخفون بعض المعلومات إذا علموا أنهم موضوع دراسة معينة، أو قد يتصنعون في ردود أفعالهم إذا علموا.
    هذه اللمحة ضرورية لفهم طبيعة النتائج الأولية التي استقيتها من خلال ملاحظاتي و مقابلاتي "العفوية" مع عدد من المنتمين السابقين إلى حركات دينية متشددة، خصوصا أولئك الذين تعرضوا لعمليات ضبط قضائي و تحقيقات أمنية مشددة بعد إحداث 16 ماي، أغلبهم كنت أقابلهم إما بالصدفة أو إما عن سابق معرفة بهم خصوصا ممن كانوا هدفا لتلك الحملات دون إن تكون لهم أية ارتباطات فكرية أو تنظيمية مع أية حركة، و الذين أطلق سراحهم بعد انتهاء مسطرة التحقيق.
    كان بنيامين فرانلكين يقول: من يقايض الحرية بالأمن لا يستحق أيا منهما، لكن ليس منطقيا التناول الأخلاقي و العاطفي لمثل هذه الموضوعات، لان الجهاز الأمني في الدول حينما يُستنفر للرد على خلل في الأمن يقوم بإجراءات كثيرة من شأنها المس بشكل أساسي بالحرية، و لعل نماذج تعاطي أعتى الدول الديمقراطية في العالم مع الاهتزازات الأمنية توضح انه حينما يُستنفر العقل الأمني في الدولة يتم المس بالحرية بشكل جوهري كما حدث في الولايات المتحدة عشية أحداث 11 سبتمبر.
    و لذلك كان منطقيا أن تتعامل الأجهزة الأمنية المغربية بأسلوب غاية في الفضاضة مع من تتوافر معلومات حول نشاطاته تقتضي التحقيق معه، فكان الهدف مزدوجا، الضرب على أيدي من اعتقدوا أن الدولة أمر نافل و أن يدها مرتعشة أو واهنة، و خلق حالة في المجتمع تكبح إي جنوح ممكن في المجتمع يقلل من هيبة الدولة، كما يحدث هذه الأيام من خلال الاستنفار الأمني ضد الانفلات الناجم عن طيش المراهقين أو الإجرام اللامبالي بالعقوبة. ولعل علم الاجتماع الجنائي يختص بشكل كبير في دراسة هذه الموضوعات سيما فيما يتعلق بالربط بين الجريمة و المجتمع و جهاز الدولة الوصي على تصنيع و تنزيل القوانين فيأتي الردع العام كهدف أعلى للردع الخاص وكضرورة لحفظ التوازنات داخل المجتمع و كبح بؤر الصراعات التي تهدد مصالح من يمسك جهاز الدولة، كل دول العالم المعاصر تتعامل بنفس المنطق.
    لكن المشكل يكمن في كون الدولة المغربية تتعامل بمنطق علاجي في القضايا الحساسة التي تحتاج تدخلا أمنيا، و لا يوجد ما يؤشر على أن هناك إرادة سياسية للتدخل الوقائي.
    فالعينة التي حاورتها جعلني استشف إن هناك حقدا دفينا لدى هؤلاء و غيرهم على السلطة التي تحرمهم من حقهم في الالتزام بالدين و تكرههم على أن يعودوا إلى حياة البدع و التشبه بالغرب بعدما أن هداهم الله إلى سبيل الرشاد !. أغلبهم يعتقدون ذلك جازمين لذلك لم أعد أستغرب حينما أجد أحدهم تخلى عن لباسه و ذقنه الطويلة لكنه ما يزال يحتفظ بمشاعر الإجلال و الحب "للمجاهدين" و بكره أعمى للشيعة و للعلمانيين، وهي مشاعر يخفيها و يعلنها أغلبهم حسب الضرورة أو يلطف صياغاتها بما يسمح له - بعد مروره من ماكينة الدولة الأمنية- أن يندمج في المجتمع، و تجد آراؤه قدرا من المقبولة في المجتمع لأن المبرر موجود سلفا وهو الفقر بكل تمظهراته و الفساد بكل أنواعه ومستوياته.
    الجهاز الذكي في الدولة يعرف ذلك جيدا و ليس من مهامه أن يغير أفكار الآخرين، لكن الإستراتيجية الموضوعة سلفا لمواجهة مثل هذه الأفكار وأنماط السلوك التي تنجم عنها، إستراتيجية غير سليمة إلا إذا كانت مقصودة !. فالمعروف أن "عملية الضبط الخشن و الميكانيكي" للأشخاص من خلال إعمال آليات القسر و العنف التي تحتكر الدولة استخدامها قد تأتي بالنتائج المرجوة منها لكن ليس في جميع الأحوال. فمثلا قد تنجح الأجهزة المختصة "بتتويب" هذا المتشدد أو ذاك و جعله يصرح بكلام مرغوب، لكن لا ينبغي نسيان الكم الهائل من الحقد الذي أصبح يملكه هذا الشخص اتجاه الدولة التي أجبرته بمختلف الوسائل على الإفصاح عن خطاب يشعر انه غريب عنه بكل تمفصلاته و مستوياته، وهو ما يؤكد له آراءه السابقة في هذه الدولة كما يصبح كارها للمجتمع الذي يتواطأ معها.
    بطبيعة الحال أجهزة الدولة تقوم بالتحقيق بالدرجة الأولى في مسألة تورط الأشخاص في أعمال عنف أو عدم تورطهم، و تتعامل مع دوافع هذه الأشخاص بمنطق الحصول على المعلومات. لكن عمليات الضبط الخشنة تلك شبيه إلى حد كبير بمثيلاتها التي يتعرض لها الجنود في الجيوش المهنية، لكن تأثيرها ينتهي مع أول اشتباك، و بالتالي عندما يحصل أي اهتزاز للأمن ستجد كل هؤلاء الذي لم يتعرضوا لإستراتيجية شاملة لتغيير رؤاهم و تصوراتهم -ستجدهم خلايا نائمة ينضاف إليها من تعلموا فنون استخدام السلاح في مختلف بؤر التوتر و لم يجدوا عند عودتهم سوى سنوات في السجن زادتهم حقدا على الدولة و المجتمع و قابلية للانتقام..
    الجهات الأمنية في المغرب تتبنى ما يعرف في الدراسات الأمنية بـ"سياسة صفر تسامح"، و قد بدا ذلك واضحا بعد أحداث 16 ماي، و نراه اليوم في الصرامة مع العائدين من جبهات القتال بعدما تغيرت الإستراتيجية الدولية إزاء ما يجري في سوريا تبعا للخلل الذي أحدثته الإستراتيجية العسكرية السورية في موازين القوى على الأرض بين الجسم المسلح و الجيش العربي السوري، لكن التحقيقات المكثفة و السجن لا تكفي إذا كان الهدف هو وضع تصور للأمن القومي المغربي يحميه من هذا الخطر المحتمل و الذي تجعله كذلك مختلف المتغيرات المحيطة، فتنظيم القاعدة يتوسع في صيغة الجهاد المحلي و الاتجاهات الأكثر تطرفا تتقوى خصوصا بعد "البيعة الخراسانية".
    لحماية النسيج الدولتي و الاجتماعي المغربي من هذا الخطر ينبغي بشكل أساسي تخديم ترسانة العلماء و فقهاء القرويين و لكن ليس بالشكل الذي يجري اعتماده منذ مدة، فالتسطيح و الميكانيكية هما ميسمه، و الهشاشة و هي الوضع الذي يعاني من هم محسوب عليه و من هم ممتلكون لإمكانية التغلغل في أدق البنيات المجتمعية، و هو بهذا لا يستطيع مواجهة خطاب مختلف الحركات الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها و التي بات واضحا أنها برغم الاختلافات بينها تراكم لبعضها، فهي تعتمد دغدغة المشاعر والوجدان والخيال، و تغذي مشروعها ذلك بحنق و حقد الناس على السلطة التي هي بالفعل تتيح ذلك من خلال الواقع الغير النزيه الذي تتعيش عليه أدواتها، فالأفراد في هذا المشروع يجري تعليب أدمغتهم بخطاب ذي صلاحية معينة و تحويلهم إلى حشود يجمع بينها رفضها للواقع و حلمها بالمستقبل و إيمانها بصدقية أدواتها.
    لا أعتقد أن الدولة غير قادرة إذا أرادت على صناعة خطاب منبثق من الرؤية المقاصدية للإسلام و المتناغمة مع العقيدة الأشعرية و الفقه المالكي و طريقة الجنيد في التصوف، ووضعها في وجه الخطاب الذي يرى كل هذا بدعا منكرة و فسادا في العقيدة و يجمع إليه تكفير ما تبقى من ملل في الفكر و السياسة كما طلع علينا مؤخرا المدعو "أبو النعيم". بطبيعة الحال خطة من هذا النوع قد تأتي بنتائج عكسية إذا لم تكن مدروسة بما يكفي، بحيث أنها إذا أسيء استخدامها قد لا تعود سوى بتبريز و تظهير الخطاب الآخر !!.
    يتفهم المرء أن صناعة هذا الفكر و السماح به كان جزءا من اسراتيجية دولية في فترة الثمانينات و أن الحاجة إليه قد تبزغ بين الفينة و الأخرى كما حدث مؤخرا، لكن ينبغي أيضا فهم اللحظة فالعالم يتجه صوب تسويات جزء منها و ثمرتها دحر هذا الفكر الذي ستصبح الخسائر الناجمة عنه اكبر من الأرباح، فهل يمكن للمغرب أن يتعامل مع اللحظة ولو بعقل برغماتي دولتي و يتجه لحماية بنية الحكم على الأقل؟؟ إذا فعل ذلك ستأتي مصلحة المجتمع و ثقافته في الطريق، ليس مهما الدافع إلى إحقاق تلك المصلحة المهم أن تتحقق و أن يأمن المغربي على نفسه في الحال و الاستقبال لأنه على الأقل هو من يدفع تكلفة جهاز الدولة من عرقه و من ثروات أرضه
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments :

    إرسال تعليق

    إلى الأعلى