الشيعة في المغرب اسرار وحقيقة |
يتخوف عدد من المغاربة الشيعة من إعلان هوياتهم، أحيانا بسبب الخشية من ردة فعل المجتمع، أو اتهامهم بتغيير مذهبهم العقدي، وأيضا الخوف من متابعات أمنية قد تطالهم، خاصة إبان فترة قطع المغرب لعلاقاته مع إيران، منذ 2009 إلى 2015، على خلفية اتهام الرباط لطهران "بتقويض المذهب المالكي ونشر التشيع في البلاد".
وتشير إحصائيات أوردتها وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم، السنة الماضية، إلى أن عدد الشيعة في المغرب يبلغ زهاء 8 آلاف شيعي، جلهم وافدون من العراق ولبنان"، غير أنه لا يمكن الجزم بحقيقة عدد الشيعة في البلاد، بالنظر إلى التحولات الجارية.
ضعف الخطاب السني
تشيُع عدد من المغاربة، لا يُعرف عددهم بالتحديد، بسبب غياب أرقام رسمية في هذا الصدد، جراء تردد الكثيرين في الإقرار بذلك، في خضم رفض السلطات الأمنية لتأسيس جمعيات أو صحف شيعية، لاشك أن له أسباب متعددة ومختلفة، يرصدها الباحث الإسلامي، رفيقي أبو حفص.
وقال أبو حفص، في تصريحات لهسبريس، إنه من بين العوامل التي تدفع إلى تشيع المغاربة، ضعف الخطاب الديني السني الرائج، وعدم قوته، خاصة مع التطور التكنولوجي والانفتاح الإعلامي الذي كشف كثيرا عن عورات هذا الخطاب، ومكامن ضعفه وتناقضاته".
وأردف المحلل عاملا ثانيا "التأثر بالتجربة السياسية الشيعية، والتي تبدو مغرية، حيث أضحت إيران لاعبا دوليا مؤثرا وفاعلا، وتتفوق على الدول التي تنتهج منهجا سنيا، والتي لا زالت دولا خانعة خاضعة لا قوة ولا تأثير لها، فمن الطبيعي ميل الشباب بما يملك من حماس إلى مثل هذه المشاريع".
واستطرد رفيقي، ضمن إبرازه للعوامل الدافعة للتشيع، بأن "ما يراه بعض الشباب المغاربة من علاقة وطيدة بين الأنظمة الشيعية، وما يسمى بقوى الممانعة ومشاريع المقاومة، وإن تأثر هذا العامل بعد الأحداث الجارية في سوريا، لكنه يبقى عاملا قائما"، وفق تعبيره.
وزاد المتحدث بأن "التطور الكبير في الفكر السياسي الشيعي، والإنتاجات الغزيرة التي تشبع نهما موجودا، مقابل جمود قاتل، وقلة إبداع عند الطرف الآخر، ما يجعل كثيرا من الشباب المثقف يميل تلقائيا إلى التيار الشيعي" على حد قوله.
وأضاف رفيقي دوافع أخرى، من قبيل "الجهد الكبير الذي يبذله الشيعة في تصدير فكرهم، وبأساليب جذابة ومغرية، وبذل كل ما يلزم من أموال لذلك، مما يسهل عملية الانجذاب"، فضلا عن التعلق التاريخي للمغاربة بآل البيت، والذي يشكل عامل تحفيز على التشيع".
إشعاع وجغرافية
ويقول عصام حميدان الحسني، عضو "الخط الرسالي"، إن قوة المؤسسة الشيعية تكمن في الاستقلال الإداري والمالي، عكس المؤسسة السنية التي ترتبط بالسلطة ورواتبها، واعتمادها على الثورة المعلوماتية، ما ساهم في سرعة انتقال الأفكار، وعبورها فوق الحدود القطرية للدولة الوطنية".
وأكد الحسني، في تصريحات لهسبريس، أنه "ليس هناك إمكانية لقياس منسوب التدفق الفكري، وقوة التحولات الفكرية الجارية من هذا المذهب إلى ذاك، لأن المسألة في غاية التعقيد، وذلك بسبب عدم انتظام شيعة المغرب في إطارات سياسية أو دينية".
وأورد الناشط ذاته بأن "غاية ما هنالك هو وجود تعبيرات ثقافية تؤكد الحضور المجتمعي، وتوصل رسائل معينة للآخرين، تتضمن احتجاجاتها، ومطالبها، وموقفها، وموقعها في المشهد الاجتماعي ككل" وفق تعبير عصام الحسني.
وجوابا على سؤال لماذا يتمركز الشيعة المغاربة أكثر في شمال المملكة، قال الحسني إن "الشيعة المغاربة موجودون في كل مدينة، لكن قد يكون ذلك بنسب متفاوتة، فالشمال هو المنطقة المغربية الأقرب إلى أوروبا، حيث تقيم جالية مغربية لا يستهان بعددها".
وتابع المتحدث موضحا بأن هذه الجاليات المغربية في أوروبا خاصة، تعيش في ظل مجتمع ديموقراطي مفتوح فكريا، وتتجاور فيه الجنسيات العربية والإسلامية، مما يتيح عملية التثاقف وتبادل الأفكار والتصورات والمعتقدات" على حد تعبيره.
ولفت الحسني إلى أن "هذا التحول خارج البلاد ينعكس على الداخل بحكم الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية التي ينسجها أفراد الجالية مع ذويهم"، مشيرا إلى "تحول آخر، هو وجود طلبة وباحثين وأساتذة وقفوا على مصادر المعرفة لدى الشيعة، أو أعجبوا بتجربتهم الحركية، فتحولوا مذهبيا".
0 comments :
إرسال تعليق